الميتافيزيقا (علم دراسة ماراء الطبيعة):
هناك تعريفان للميتافيزيقا، الأول اصلي بدائي، والثاني، اصطلاحي شائع فأرسطو بعد ان انتهى من تأليف كتب الفيزياء (اي الفيزيقا) انتقل الى معالجة كتب الميتافيزيقا وعلى هذا النحو من الترتيب ترد كتبه ولكننا نعلم ان للميتافيزيقا معنى آخر، الا وهو دراسة ما وراء الطبيعة فكما ان الفيزيقا، اي الفيزياء تهتم بدراسة ظواهر الطبيعة المادية، فإن الميتافيزيقا تهتم بدراسة ما وراء الطبيعة من ظواهر لا مرئية ولا مادية. ومن المعلوم ان افلاطون، استاذ ارسطو، كان اول الفلاسفة الميتافيزيقيين. فقد كان يميل الى تجاوز المعرفة العلمية (كما كانت متوافرة في عصره على الاقل) لكي يتوصل الى اصل الظواهر وسر الاشياء وقانون القوانين. كان افلاطون يحلم بالتوصل الى علم مطلق عقلاني بالخالص، ولكنه لا يختلط بالماديات او المحسوسات بمعنى آخر فإن افلاطون كان يحتقر ظواهر العالم الارضي ويعتبرها زهيدة القيمة لانها عابرة زائلة.
ولهذا السبب فإنه اقام التضاد بين العالم العلوي والعالم السفلي وراح يتحدث عن عالم المثل الموجود في السماء والذي هو اجمل وابهى بألف مرة من العالم الارضي. وقال بأن كل ما هو موجود على سطح الارض من ظواهر باهت وتافه بالقياس الى ما هو موجود في عالم المثل السماوي فالشجرة في السماء اجمل بألف مرة من الشجرة على الارض وقس على ذلك بقية الاشياء. ثم جاء تلميذه ارسطو بعده مباشرة لكي يعكس الآية ويقول بأن العالم الارضي له اهميته وعلى أية حال فإنه العالم الوحيد الموجود الذي نستطيع ان نحس به ونراه ونلمسه وبالتالي فهو يستحق العناية والدراسة والاهتمام. وهكذا أثبت ارسطو انه واقعي مادي بالقياس الى افلاطون الذي كان مثالياً حالماً ولا يزال الفكر البشري مقسوماً الى هذين القسمين المثالي والواقعي منذ عصرها وحتى يومنا هذا.
لكن هذا لا يعني ان ارسطو لم يكن ميتافيزيقياً على طريقته الخاصة فالواقع انه كان يهتم بعالم ما وراء الظواهر، او عالم المبادئ الأولية والمحرك الاول للكون ولكن تصوره عن العالم الميتافيزيقي كان يختلف عن تصور افلاطون. والواقع ان لكل فيلسوف كبير ميتافيزيقا خاصة به وفي العصور الوسطى نلاحظ ان الميتافيزيقا الفلسفية اختلطت باللاهوت الديني على يد القديس توما الاكويني احد كبار المفكرين المسيحيين.
ثم جاء ديكارت في العصور الحديثة وأسس الميتافيزيقا على ركائز جديدة ما كانت معروفة سابقاً وبعده ظهرت سلسلة من الفلاسفة الكبار من امثال: مالبرانش، لايبنتز، سبينوزا، وكل واحد من هؤلاء كان له نظامه الميتافيزيقي او الفلسفي.
ثم جاء كانط في القرن الثامن عشر وحاول القضاء على الميتافيزيقا كلياً باعتبار انها وهم او سراب وقال بأن العالم الوحيد الذي يمكن ان نعرفه هو العالم الواقعي الارضي، عالم الظواهر المحسوسة وبالتالي فلا داعي لان نضيع وقتنا في دراسة عالم ما وراء الظواهر او العالم الآخر. وقد عبر عن افكاره هذه في كتابه الشهير: نقد العقل الخالص (اي العقل الميتافيزيقي).
مع تحياتي.........
__________________