لم تلق مشكلة التلوث في سورية حتى الآن الاهتمام الكافي من كافة القطاعات و الجهات المعنية رغم تعاظم
التلوث البيئي في كل المدن والمحافظات دون استثناء خصوصاً في المنطقة الساحلية
حيث تتوضّع شركات ومعامل اقتصادية إنتاجية ضخمة تفرز العديد من الملوثات التي تهدد الحياة البيئية بما فيها الإنسان دون أي رقابة بيئية تذكر أو حتى متابعة حثيثة لهذا الواقع المتردي الذي يحتاج إلى إجراءات ملموسة حفاظاً على بيئتنا الساحلية تعاني المنطقة الساحلية عموماً ومدينة بانياس في محافظة طرطوس خصوصاً من ملوثات عديدة تهدد واقعها السياحي والأثري،
فالمنطقة الساحلية محكوم عليها بالإعدام بيئياً ، حيث تتوزع فيها منشآت اقتصادية ونفطية وكهر بائية وجميعها من النوع الضار بيئياً لأنها تنفث كميات كبيرة جداً من هباب الفحم خصوصاً في سماء المنطقة القريبة من الساحل، حيث تتوزع شركات النفط (المصفاة وشركة نقل النفط ) ومحطة توليد كهرباء بانياس ومعمل الإسمنت إضافة إلى الملوثات الأرضية المتمثلة بالمجاري ومخلفات تلك الشركات التي تسبب تلوّثاً للشواطئ والمياه.
ونشير هنا إلى أن نسبة التلوث في مدينة بانياس وحسب تقارير دولية وصلت إلى أكثر من 70% بالمئة وهي أكثر مدينة على ساحل البحر المتوسط تلوثاً، ومن هنا يمكن لنا أن نقدر حجم الكارثة البيئية التي تتعرض لها خصوصاً هذه المدينة الساحلية التي يفترض أن تكون سياحية وأثرية أيضاً, وكل ذلك انعكس بشكل أو بآخر على صحة المواطن عموماً في الساحل السوري فقد كثرت حالات الإصابة بالربو الصدري والأمراض التحسسية، والأخطر من ذلك انتشار وارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض الخبيثة كالسرطان والأمراض القلبية التي وصلت حدوداً كارثية،
وللإشارة فإن قرية واحدة في مدينة بانياس وهي "خربة سنا سل" لا يزيد عدد سكانها عن 600 نسمة يوجد فيها أكثر من 20 حالة مرض بأورام خبيثة وسرطانية، سببت وفاة العديد منهم جراء ارتفاع نسبة التلوث التي أكدها العديد من الأطباء في المنطقة. إن الأبحاث التي أجريت على القرى والبلدات المجاورة لشركة مصفاة بانياس ومنها على سبيل المثال قرى( الزوبة ـ بارما يا ـ العصيبة ـ خربة سنا سل ـ ابتلة سربيون ـ حريصون ـ دير البشل وبعمرائيل ) والتي تقع على ارتفاع من 50 إلى 300 متر عن مستوى المصفاة, أكدت على وجود تلوث كبير بالغازات السامة في تلك القرى بسبب "الهباب" المتصاعد من المداخن العالية, ولدى تحليل عينات من الحبوب التي توضع على أسطح المنازل في نفس المواقع من قبل مديرية صحة طرطوس تبين تلوثها بالمعادن الثقيلة وعلى رأسها( الرصاص والكادميوم والزئبق) بدرجات ليست قليلة والتي ما من شك أن أحداً يجهل تأثيراتها السامة على صحة الإنسان وحياته عمال المصفاة: التلوث سبب لنا عجزاً صحياً بلغ 35 %
يبدو أن الآثار البيئية الخطيرة التي تخلفها شركة مصفاة بانياس لتكرير النفط لم تؤثر على المناطق المحيطة بها بل سببت كارثة صحية لعمالها، والتي تؤكد مصادرهم أن الفحوصات الطبية لعمال الشركة جاءت بنتائج لا تحمد عقباها، فقد أشارت نتائج فحوصات السنوات القليلة الماضية إلى ارتفاع نسب العجز الصحي لدى أغلبية عمال الشركة إلى ما بين 10 إلى 35 %. تلوث الشواطئ خطر يداهم الساحل السوري عموماً
شكاوى عديدة أطلقها المواطنون في المنطقة الساحلية مفادها ضرورة المحافظة على نظافة الشواطئ وجماليتها، هذه المنطقة السياحية التي تتعرض اليوم لأنواع كثيرة من الملوثات سواء المتعلق منها بمد خطوط الصرف الصحي إلى الشواطئ القريبة من مراكز المدن أو البلدات المحيطة به أو عمليات الصيد الجائر للأسماك بطرق كيميائية محرّمة ومؤذية لصحة الإنسان.
وكثيرون هم الأشخاص الذين أصيبوا بالتسمم بعد تناولهم السمك بسبب ملوثات عديدة تلقى في البحر من مخلفات المعامل والشركات والمنشآت الأخرى, وهذه المخلفات تلوّث البيئة البحرية وتؤثّر على حياة الحيوانات البحريّة ويمكن أن تؤثّر على صحة الإنسان أيضاً. يبدو أن مشكلة التلوث في الساحل السوري ستبقى عصيّة على الحل لأنها خارج اهتمام الجهات المعنية لأسباب مجهولة أو لأسباب شخصية في بعض الأحيان، كما في مشكلة المقالع في بانياس
. ويبقى السؤال العريض الذي يطرحه كل مواطن في الساحل، إذا كانت المنطقة الساحلية هي منطقة سياحية وزراعية أولاً، لماذا لا تحظى بالاهتمام الكافي من الجهات المعنية لدعم قطاع السياحة، وبالتالي التخلص من المعامل والمنشآت الملوثة للبيئة لأن قطاع السياحة لا يقل ريعية اقتصادية عن باقي المنشآت فالمطلوب اتخاذ قرارات شجاعة بالنظر إلى أهمية حياة الناس والبيئة معاً لأنهما مقدسان في كل دول العالم